أسطورة المحرر الذي لا ينام
يثير واقع الصحافة إشكالية جديدة قديمة تتعلق بذلك الإنهماك في متابعة الحدث والخبر والواقعة بكل حيثياتها وعلى مدار الساعة، حتى إن هنالك من بين وسائل الإعلام من ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى القول نحن مع الحدث ولكن قبل الحدث وذلك من فرط التيقظ والتوقع اللذين يجعلان المحرر مشمرا عن ساعديه في كل يوم وساعة، إنه ذلك المحرر والصحفي الذي تنام الناس ملء جفونها عن شواردها، فيما يبقى هو يترصد ويتوقع ويحلل ويتأمل ويبحث ويستنتج حتى إذا صاح ديك الصباح واستيقظ الناس، وجدوا الصحيفة ساخنة بين أيديهم وأمام أبواب منازلهم وفي مكاتبهم، وأدركوا أن ذلك الصحفي لم ينم حقا ولم تعن له شيئا كثيرا دورة الزمن أمام دورة الخبر والحدث وضرورة رصده وجلبه جاهزا بين يدي القارئ والمتابع.
لكن هذا المحرر الذي مر عليه حين من الدهر وورث مهنة الصحافة وصدق فيه القول أنه تلبّس مهنة المتاعب وتلبّسته، سيجد قرّاءه النهمين من الأجيال الجديدة وهم يلتمسون الخبر والحدث من وسيط تكنولوجي جديد يجاور سرير القارئ ويحضر على مدار الساعة على مكتبه، وسيط برقي سريع بل هائل السرعة لا يقارن بمجهود ذلك الصحفي المكافح الذي خبرناه طويلا واعتدنا على إطلالته وسيرته اللافتة.
وبهذا التجاور بين الوسيطين صرنا أمام واقع، كل منهما يرصد الآخر، الصحافة التقليدية تراقب بحذر زحف التكنولوجيا عليها، ساعية لسحب البساط منها، التكنولوجيا الرقمية والصحافة الإلكترونية لا تمتلك تلك الألمعية والحميمية التي تمتلكها الصحافة التقليدية ورموزها ووجوهها، وصولا إلى هوس يتملك شريحة واسعة من القراء ألا وهو عشق الورق والتفاعل مع الصحيفة الورقية من خلال لمسها وتقليبها والتداخل معها عن قرب في طيات موضوعاتها وتصاميمها، إلى درجة إدراك أن هذا المجهود الكبير كله إنما صدر من محرر لا ينام حقا أو طاقم تحرير لا يعرف للراحة طعما قبل أن يشعر أنه أتحف القارئ بما هو جديد ومميز ومواكب للحدث.