إلياس فركوح: جمهور القراء إلى انحسار وهذا ليس ذنب الكاتب

- أصبحت كتابة الرواية، وفقاً لاستجابتي وتفاعلي الشخصيين، عملاً شاقاً مستعصياً عليَّ وسط الأحداث المزلزلة المتلاحقة التي يمر بها المواطن العربي في كثير من مجتمعاته، كما أصبح النشر عملاً أشَقّ في ظل انكفاء القارئ عن الكتاب، آخذين بالاعتبار التعامل مع دور النشر والناشرين ضمن معارض الكتاب (السوق الأساسي للكاتب والناشر) بوصفه حالة سياسية.
• بعيداً عن موضوع البوستر، وعودة إلى الأصل فيك كروائي وقاص: أنت متهم بتقصّد الكتابة بلغة صعبة من أجل إثارة الجدل والتميز. وروايتك الثانية “أعمدة الغبار”، التي أثارت لغتها (الصعبة) جدلاً واسعاً، خير مثال على ما تقدم.
- دعيني أقول منذ البداية: هذه تهمة جميلة، وإنها ليست المرة الأولى التي أواجَه بها. اللغة، عندي، ليست ضرباً من نسيج يمكن استبداله بضربٍ آخر حتّى ولو كان من الخيوط نفسها والألوان ذاتها. في الحقيقة أنا عاجز عن تبسيط لغتي، هكذا هي في تشكلها المستقرّ مثلما هكذا هو أنا الآن.
ليس دوري، ككاتب فرد، أن أخلق قرّاء من وسط الأُميين الثقافيين. هذا دور المؤسسات (التربوية – التعليمية -الإعلامية- الثقافية، إلخ). وأرى أنّ الأوساط الثقافية التي ارتضت لنفسها أن تتعامل مع القارئ بلغة سهلة مبسطة، واهمةً أنها بذلك تتواصل معه على نحوٍ صائب؛ إنما ارتضت لنفسها الرضوخ والاستسلام لأمر غير ثقافي، وآت من منطقة خارج الإبداع، ومضاد لمفهوم الأدب والكتابة. نحن نكتب للكبار والبالغين الذين من المفترض مشاركتنا “بعض الكودات- المفاتيح- الرموز″، وليس لأطفال ينتظرون منا درساً.
• حديثك السابق قد يعيدنا إلى اتهامك بأنك مع مقولة (الفن للفن)!
- فُهِمَت مقولة “الفن للفن” أصلاً، في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم داخل الأوساط الثقافية العربية، على نحو خفيف أو سطحيّ أو مُسطَّح. أي استُخِف بها وكُررت وعُلِكَت لتتحوّل إلى أمرٍ سلبيّ ينبغي التصدي له! باتت وكأنها سُبّة، وهي ليست كذلك؛ إذ وُضع مقابلها مقولة “الفن للجماهير”، وفي الحقيقة، حدث ذلك وقت أن كان “الجميع″ يغازلون “الجماهير” ويطلبون ودّها!
إذا أردنا مناقشة المقولة يستوجب علينا طرح السؤال التالي: ما هو الفن؟ الفن، في جوهره، إطلاق حرية الفرد في التعبير عن نفسه بالطريقة التي يشاء وببصمته الخاصة وعن المسألة التي يرتئيها. وأنا بدوري لا يمكنني إلاّ أن أصطف إلى جانب المنادين بإطلاق الحرية الفردية للإنسان بالتعبير عن نفسه، على نحوه الخاص، ولا ضرر في ذلك إذا ما كنا صادقين مع الناس ومع أنفسنا. فأنا لست مسئولاً حزبياً، ولا قائد مظاهرات، ولا محترف صياغة شعارات، ولا كاتب بيانات تحريضية مناسباتية. أنا كاتب، والكتابة متعة، وإثارة فكر، وتنبيه لأسئلة، واستفزاز للمراجعات الذاتية، وخلق جمال من خلال شروطه والإحساس به. والجمال، لو يعلمون، هو ما يستفز فينا السؤال ويعمل على التحريض عليه، وليس ذنب الكاتب أن جمهور القراء في حالة انحسار، وبالتالي لا أرى أن عليه أن ينحسر في كتابته ليُبقي على ما تبقى من قراء باتوا ملولين.
• ألا تعتبر أن ما قلته سابقا قد يفقدك نسبة من قرائك، في حين أن كل أديب أو فنان يبحث عن الانتشار، إنْ لم نقل الشهرة؟
- هناك قول لأستاذي في الكتابة، إدوار الخراط، يقول فيه “يكفيني قارئ واحد”! لن أكون متطرفاً إلى هذا الحد، كما أعتقد أنه أراد في قوله التأكيد على “كرامة النصّ” ولم يقصد الكلمات بحرفيّتها. من جهتي، قد لا يكفيني كل قراء العالم، ولكن دون أن يُملي عليَّ أحد شروط الكتابة وفقاً للشرط الاجتماعي السائد.
____________
* أجرت الجلسة في عمان: وداد جرجس سلوم