التراجيديا السورية تولد "في شارع بغداد"

عمّان- الأردن - نبيل الخطيب خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عام 1993 أخرج حتى الآن 12 عملا مسرحيا، تنوعت في المواضيع وأشكال الأداء ومرجعيات النصوص، شاركت معظم عروضه المسرحية في مهرجانات دولية، وحصد جوائز عدة كانت آخر مشاركاته الدولية بمسرحية "نهاية العالم ليس إلا" للكاتب الفرنسي جان لاغارس في مهرجان بجاية بالجزائر، وكان من المفترض أن يشارك العرض في مهرجان مسرحي في بيلاروسيا "روسيا البيضاء" في نفس العام، ولكن المخرج نبيل الخطيب اعتذر عن المشاركة.
التقت جريدة "العرب اللندنية" بالأستاذ الخطيب للحديث حول سبب اعتذاره عن المشاركة، ومواضيع أخرى متعلقة بالمسرح والمهرجانات المسرحية والمسرح في الربيع العربي، وعن سبب عدم مشاركته في مهرجان بيلاروسيا المسرحي قال: "علاقتي بمهرجان بيلاروسيا المسرحي مستمرة منذ ثلاثة أعوام كمخرج مسرحي أو عضو لجنة تحكيم أو بصفة مراقب، وقد اعتذرت عن المشاركة في العام الماضي بسبب مشاركة إسرائيل، وهي ليست المرة الأولى التي أعتذر فيها عن المشاركة لنفس السبب وسبق واعتذرت عن المشاركة بمهرجانات في إيطاليا وبلجيكا وغيرها)".
مجاملة أو رشوة
من المتعارف عليه أن المهرجانات عموما ومهرجانات المسرح خصوصا هي اختيار لأهم وأفضل العروض من أجل المشاركة في المهرجان، أو من أجل إيفادها لتمثيل بلدها في مهرجانات دولية، ولكن عند العرب يتم (تصنيع) عروض للمهرجان بمعنى لا يكون هناك موسم مسرحي يتيح للقائمين على المهرجان المشاهدة، ومن ثم اختيار العروض المميزة، وإنما تُنجز العروض وتقدم للمرة الأولى في المهرجان ويقام المهرجان بما تيسر، وعموما يتم اختيار العروض المشاركة من دول أخرى في حال المهرجانات الدولية أو العربية بحسب العلاقات الشخصية للقائمين على المهرجان، وهذه الأسباب كلها تدفع إلى تدني مستوى المهرجانات عاما بعد عام، والمخرج نبيل الخطيب يعترف وبمرارة أن هذه الآلية سائدة في الدول العربية باستثناء تونس ومصر مؤخرا، وبعد أن خاضتا ثورات وأقامت من بعدها مهرجانات مسرحية، ويأتي الاستثناء برأيه نتيجة وجود إدارات جديدة للمهرجانات أكثر موضوعية في اختيار العروض، بدلا من التي كانت قائمة والتي كانت معينة بصفة حزبية ومدعومة من الأنظمة الحاكمة بسبب ولائها المفرط.
دهشة الأمكنة
من الملاحظ أن تردي الفنون في الدول العربية وتراجع المسرح من الحالات الظاهرة بشكل جلي وأحد أسباب هذا التراجع برأي المهتمين، هو غياب البنية التحتية وعدم توافر صالات العرض المسرحي في معظم مدن الأقطار العربية، إذا ما استثنينا العواصم، وهذا ما دفع بالفاعلين الثقافيين والمسرحيين إلى اختيار أماكن بديلة غير مجهزة تقنيا للعروض المسرحية، وللخطيب تجارب عروض في أمكنة بديلة يقول عنها: "أعتقد أن تقديم عروض مسرحية في أماكن بديلة ينطوي على إيجابيات عديدة منها أنك تقترب من الناس أكثر، تذهب وفريق العمل إلى الأماكن الأكثر شعبية والأقل حظوة في مشاهدة المسرح.
شارع بغداد هذا العام أنوي الانتقال إلى الحدث الثوري المباشر على المسرح بعرض يحمل اسم "في شارع بغداد" الذي يتحدث عن الثورة السورية، ومأساة الإنسان السوري وسأعتمد المباشرة في اللغة والوثيقة والموسيقى واللون.
و من مدخل تقديم العروض المسرحية في أماكن اللجوء والنزوح كان لا بد من معرفة الجديد الذي يعمل عليه المخرج نبيل الخطيب، وفيما إذا كانت موضوعات العروض المسرحية العربية قبل الربيع العربي صالحة لأن تكون موضوعات لعروض خلال وبعد الربيع العربي حتى بالنسبة للمخرجين الذين ما زالت بلدانهم بمنأى عن هذا الحراك حتى اللحظة أجاب: في زمن الثورات لا يمكن الانتقال المفاجئ من موضوعات ذات طابع فني جمالي إنساني إلى موضوعات تحمل الحدث الثوري بشكل مباشر، دون المرور بوسائط تسمح لنا بالانتقال بشكل سلس ومنهجي وعلمي تلافيا للوقوع في مأزق المباشراتية فكان آخر عملين قدمتهما في الربيع العربي لا علاقة لحكايتهما بالثورة، بأيّ ثورة، لكني مررت إشارات وملامسات للحدث الثوري الجاري الآن، خاصة في سوريا، إشارات عبر اللغة والصوت والإيقاع وهما "أحلام شقية" لسعدالله ونوس و"نهاية العالم ليس إلا"، ولكني هذا العام أنوي الانتقال إلى الحدث الثوري المباشر على المسرح بعرض يحمل اسم "في شارع بغداد" الذي يتحدث عن الثورة السورية، ومأساة الإنسان السوري وسأعتمد المباشرة في اللغة والوثيقة والموسيقى واللون. العرض من إعداد المسرحي والإعلامي السوري علي سفر بمشاركة ممثلين وممثلات من الأردن وسوريا.
ذراع ضاربة
كلمة لدمشق الجريحة التي تخرّج منها المخرج نبيل الخطيب بعد أن أمضى فيها أحلى سنوات شبابه وكون فيها صداقات حميمة استمرت لعقود، كلمة قالها بغصة وحرقة قلب وبعد صمت حزين: "كنت شاهدا على تراجع دمشق من مدينة أحبت جميع العرب إلى مدينة ضاقت بأبنائها، والكثير ممن أحبتهم واستضافتهم كأبناء عزيزين من العرب كانوا خونة لكل بقاع سوريا، بل وأكثر من ذلك كانوا مرتزقة لنظام أراد تغيير هوية المدينة العريقة ليجعلها فروعا أمنية وجيوبا طائفية وأمكنة خاوية من العنفوان الدمشقي التاريخي، وكأن هذا النظام قصد تحويل هذه المدينة إلى رقعة فارغة من المضامين الإنسانية والحضارية.