السلاح الكيميائي يدخل نظام الأسد محطته الأخيرة

دمشق- في أكثر من خطاب له حذّر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من أن استعمال الأسلحة الكيماوية في سوريا خطّ أحمر لا يمكن تجاوزه. وقال أوباما، في تحذيرات سابقة: "حتى الآن لم أعط أمر التدخل العسكري في سوريا. لكن إذا بدأنا نرى نقلا أو استخداما لكميات من المواد الكيماوية فذلك سيغير حساباتي ومعادلتي".
اكتفت الإدارة الأميركية، في الأشهر السابقة، بالخطابات التحذيرية، فيما انقسم الموقف الأميركي بين مؤيّد للتدخّل العسكري في سوريا وبين متردّد حيال الأمر، بسبب فشل التجربة الأميركية في العراق والأعباء والتكاليف التي تكبّدتها جرّاء الحرب في أفغانستان.
اليوم يواجه أوباما اختبارا جديدا لعقيدة موروثة تقضي بتجنب التدخل في مستنقع الشرق الأوسط، فاستعمال السلاح الكيماوي بات مؤّكدا الآن في سوريا بعد عملية الإبادة التي ارتكبت في حقّ مواطنين سوريين، أغلبهم من الأطفال، في إحدى ضواحي دمشق، الأسبوع الماضي.
الهجوم، الذي يعتقد أنه تمّ بغاز للأعصاب، وأودى بحياة ألف مدني بينهم أطفال وأسفر عن إصابة آلاف آخرين، وفقا لمصادر في المعارضة السورية، يقول مراقبون إن طبول التدّخل العسكري باتت تقرع وأن القوات الدولية على أبواب سوريا.
|
وبنى المراقبون توقّعاتهم على التحذير الذي وجّهته بريطانيا والولايات المتحدة للرئيس السوري بشار الأسد بأنهما سترّدان "ردا جديا" على هجوم الأسلحة الكيماوية الأسبوع الماضي.
وذكرت صحيفة "اندبندنت" البريطانية أنه بعد ظهور صور جديدة لأطفال قتلوا في الغارة يوم الأربعاء الماضي، اتفق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الأميركي باراك أوباما، في مكالمة هاتفية استغرقت 40 دقيقة يوم السبت على أن الحكومة السورية مسؤولة عن العمل الوحشي وأن كل الخيارات العسكرية مطروحة.
نشاط دبلوماسي
وفي إشارة إلى تصاعد الاستعدادات العسكرية، أرسلت واشنطن سفينة حربية رابعة إلى البحر الأبيض المتوسط قادرة على شن هجمات صاروخية على أهداف بالأراضي السورية. ونقلت الصحيفة عن مصدر بريطاني لم تسمه قوله إن كاميرون وأوباما "يتطلعان لرد يوضح جليا بغضنا لاستخدام الأسلحة الكيماوية".
وذكر التقرير أن بريطانيا تعارض إرسال "قوات برية"، وأن العمل العسكري يمكن أن يتراوح ما بين فرض مناطق حظر جوي إلى شن غارات جوية على مواقع النظام السوري.
ورغم ذلك تبقى الشكوك حائمة حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا أو التدخل الأميركي الفعلي هناك. فلايزال من غير الواضح ما إذا كان أوباما يميل إلى توجيه ضربة عسكرية إذا ثبت استخدام قوات الأسد للأسلحة الكيماوية ما يعتبر تجاوز "الخط الأحمر" الذي حدده العام الماضي.
من المحتمل أن يكون النشاط الدبلوماسي والعسكري الأميركي في الأيام القادمة مجرد وسيلة للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد الذي لم يرضخ للمطالب الأميركية بتنحيه. لكن يبدو أن الإدارة الأميركية تتخذ خطوات يتوقع أن تسبق القرار باستهداف الوحدات السورية المتورطة في هجوم ريف دمشق.
|
وينشر البنتاغون القوات وكذلك السفن الحربية المجهزة بصواريخ عابرة للقارات في المتوسط في حين يدرس معاونو أوباما سيناريو نزاع كوسوفو للتدخل في سوريا من دون تفويض من الأمم المتحدة الذي ستعرقله روسيا بالتأكيد. كما يكثف وزير الخارجية الأميركي جون كيري الاتصالات مع حلفاء واشنطن في أوروبا والشرق الأوسط.
ويعتقد جوليان زيليزر مؤرخ السياسة الخارجية في جامعة برينستون أن الإدارة الأميركية "تشعر بالضغوط للتحرك أو لتظهر وكأنها تستعد للتحرك لأسباب سياسية (ولإثبات) أن هناك حدودا لما هو مسموح".
وأكد مساعدو أوباما أن أي قرار لم يتخذ بعد ويريدون إثباتات قاطعة بأن القوات السورية استخدمت أسلحة كيماوية في ريف دمشق ما أسفر عن مقتل 1300 شخص، كما تقول المعارضة.
لكن البيت الأبيض أعطى مصداقية للتقارير في بيان خلال اجتماع يوم السبت مشيرا إلى "روايات شهود والعوارض التي ظهرت على الضحايا".
التحرك العسكري
وأكّدت منظمة "أطباء بلا حدود" أن مستشفياتها حول دمشق استقبلت نحو 3600 مريض على مدار الأيام القليلة الماضية، وتبدو عليهم "أعراض التسمم العصبي" وأن 355 مريضا لقوا حتفهم بالفعل. ويخشى من وفاة مئات آخرين.
الصراع في سوريا تطوّر ليصبح ملفا متشعّبا وإقليميا تلعب بأوراقه مختلف القوى الدولية التي لها مصالح في المنطقة التي تمثّل سوريا حجر الأساس فيها. فمن جهة الصين وروسيا وحلفاؤهما ومن جهة أخرى الولايات المتّحدة وحلفاؤها، ومن جهة ثالثة إيران وحزب الله.
|
ولا يختلف أي طرف من هؤلاء على أن سمعة الرئيس الأميركي باراك أوباما على المحك بعد أن أكّد على أن استخدام أسلحة كيماوية في سوريا خط أحمر بالنسبة إلى واشنطن. وتترقب إيران والصين وكوريا الشمالية، أعداء الولايات المتحدة، لترى ما إذا كان هناك ثمن لتحدي واشنطن.
ويعتقد حسين ايبش، المحلل في لجنة العمل الأميركية في فلسطين، أن التحرك العسكري ممكن. ويضيف "أعتقد أن أقل تحرك يمكننا توقعه هو هجوم محدود بالصواريخ العابرة على مواقع تتعلق بالأسلحة الكيماوية". ويتابع "قد يشمل التحرك ضرب منشآت مفيدة للنظام".
ومهما حصل يريد أوباما أن يدخل التاريخ بصفته الرئيس الذي أنهى الحروب الأميركية وليس الذي فتح جبهات جديدة.
وعلى أوباما أن يدرس احتمالات إخفاق التدخل العسكري بما في ذلك مخاطر وقوع ضحايا بين المدنيين. كما لا يمكن تجاهل السياسة المحلية.
وسيتذرع أوباما على الأرجح بأن التحرك المحدود في سوريا لن يرقى إلى مستوى العمليات الذي يستلزم إذنا رسميا من الكونغرس لدخول الحرب.
سوريا التي انتفاضة انطلقت سلمية في آذار-مارس 2011 وتعسكرت تدريجيا في مواجهة القمع الشديد الذي تعرضت له واوقعت حتى الآن أكثر من مئة ألف قتيل بحسب أرقام الامم المتحدة كما تسببت بفرار ملايين المواطنين، وصلت إلى مرحلة الأسلحة الكيميائية، التي كانت السبب الذي غزا به الأميركيون جاره الحدودي العراق، فهل يكون الكيميائي المحطّة الأخيرة في الصراع الدائر في سوريا؟