المجتمع المدني العربي يدير ظهره لمحنة اللاجئين السوريين
أثبت المجتمع المدني العربي تقصيرا شديدا ومخجلا حيال محنة الشعب السوري. مئات الجمعيات والمنظمات والهيئات العربية غير الحكومية وتلك التي تنضوي في منظومة المجتمع المدني” والتي انبثقت بكثرة وكالفطر منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، لم تحرّك في معظمها ساكنا حيال أقسى محنة يتعرض لشعب عربي بعد نكبة فلسطين في العام 1948، والحرب الطويلة في لبنان (1975- 1989). الأمم المتحدة تصدر بين الحين والآخر بيانات حول المأساة السورية، كان آخرها البيان الذي حذّر من تزايد أعداد اللاجئين إلى ما فوق أربعة ملايين لاجئ بعد زهاء عام من الآن. أما الجمعيات العربية فتكتفي بالفرجة وتعتصم بصمت القبور، متذرعة كما يبدو بـ”تعقيد الوضع السياسي” في الديار السورية. لا يخلو الأمر من مبادرات يتيمة من هنا وهناك، تصدر عن هذه المنظمة أو تلك الجمعية، ولكن هذه المبادرات تؤشر إلى تقصير الجسم الأكبر من المجتمع المدني حيال الأشقاء السوريين.
المقصود بالمحنة هنا الجانب الإنساني أو الوضع الانساني لمشردين دفعوا دفعاً لمغادرة ديارهم وترك بيوتهم وموارد رزقهم، حتى أنهم في غالبيتهم خاطروا مخاطرة شديدة بالخروج تحت وابل نيران النظام الذي يشيّع مواطنيه بالرصاص على الحدود مع الأردن أو لبنان أو تركيا أو العراق وهي الدول المجاورة لسوريا. فضلاً عن دول غير مجاورة أصبحت مناطق لجوء تمتد من مصر إلى الجزائر فالمغرب ودول أوروبية.
أوجه التقصير الفادح عديدة يأتي في مقدمتها، التقاعس الشديد عن مقاربة ظاهرة اللجوء باعتبارها كارثة إنسانية، وتبصير الرأي العام بحجمها وبمظاهر المعاناة التي يكابدها مئات ألوف السوريين، وحاجة هؤلاء إلى الغوث العاجل. وبينما يجري الحديث في دول مختلفة عن “أعباء” تتحملها الدول والمجتمعات المضيفة، ناجمة عن استقبال النازحين وإيوائهم، فإن منظمات المجتمع المدني في الدول والمجتمعات المعنية تصمت عن الوجه الآخر، بل الأول للمسألة، وهو الأعباء التي تفوق طاقة البشر التي يتحملها من يُفترض أنهم أشقاؤهم. والبادي أن الامتناع عن الخوض في جوانب معضلة اجتماعية وإنسانية يعود إلى حسابات سياسية ضيقة ومقيتة وأنانية، كخشية الطرف الذي يتفاعل وجدانيا مع هذه المعضلة، أن يبدو منحازاً إلى صف الشعب السوري، بما قد يضعه في خانة تأييد المعارضة.
شيء من ذلك حدث ويحدث في لبنان منذ أكثر من عامين، فالتعاطف مع محنة اللاجئين هو بمنزلة «تسييس» للمسألة، ولهذا رفض حزب السيد حسن نصرالله وتيار ميشال عون، نصب خيام تأوي اللاجئين وتنقذهم من الإقامة والمبيت في العراء، وذلك حتى لا تُستغل المسألة سياسياً، وهو منطق مقلوب وملتوٍ. فالأساس هو التضامن الإنساني الأخلاقي مع محنة بشرية، التضامن البديهي الذي يدلل على إنسانية الإنسان، بصرف النظر عن الرؤى السياسية، أما الاستنكاف عن التضامن فهو تسييس مكشوف ومبتذل يكاد يلامس العنصرية.
ولاشك أن عزل اللاجئين بصورة شبه تامة عن محيطهم يفاقم من محنتهم ويمُسّ بمعنوياتهم، علماً أنه في حالة الأردن تمكنت نسبة غير قليلة من اللاجئين من الخروج من مخيم الزعتري في شرق البلاد والالتحاق بأقارب وأصهار لهم، أو الإقامة المستقلة بما يتيسر من نقود باقية، وكثير منهم يلتحقون بسوق العمل بصورة “غير قانونية” تحت ضغط الحاجة الشديدة، والمجتمع بين متقبّل لهم أو ناقم عليهم أو حائر بشأنهم في ظل ظروف البطالة التي تشهدها البلاد، ومع لجوء أرباب عمل لتشغيل لاجئين سوريين بأبخس الأجور.
إن التقصير المشهود ولدرجة التخلي والتنصل الذي يرتكبه المجتمع المدني حيال محنة الأشقاء السوريين اللاجئين، يدلل على تراجع المنظومة القيمية التي تحكم عمل مُسيّري نسبة كبيرة من المنظمات غير الحكومية، وهو ما عبّر عنه مثقف سوري نازح لكاتب هذه السطور بعقد مقارنة قال فيها: إنه حينما لجأ فلسطينيون إلى دول الجوار قبل 65 عاما كانت الدنيا بخير، وكان الناس يفاخرون بإغاثة الشقيق الملهوف، يفتحون له قلوبهم وبيوتهم، أما في زمن محنة لجوء الشقيق السوري فقد تغيرت الدنيا وتبدّل الناس.
كاتب أردني