المغرب يستعيد دوره الجيوسياسي داخل الفضاء الأفريقي

أجرى العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في شهر مارس – آذار الماضي زيارة رسمية - دامت أسبوعين- إلى السينغال والغابون وساحل العاج. كان الهدف من هذه الزيارة تعزيز علاقات المملكة اقتصاديا وسياسيا مع دول جنوب الصحراء. وهو أمر تعتبره الرباط حيويا وجوهريا في ظل أجواء التوتر التي تعيشها منطقة غرب أفريقيا بسبب الحرب في دولة مالي. وتوطيد العلاقات الأفريقية ودعم التعاون مع دول الساحل والصحراء يعكس الأهمية الاستراتيجية التي يوليها المغرب للقارة الأفريقية بما يعزّز موقعه على الواجهات الإقليمية والدولية في إطار دبلوماسية فعالة ونشطة.
يسعى المغرب إلى العودة بقوة إلى المجال الأفريقي بعد انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1984، علـى خلفيـة قبول الاتحاد بعضوية "الجمهورية العربية الصحراوية" رغم أنه كان من بين مؤسسي الاتحاد في 25 مايو 1963 بأديس أبابا.
ولا يخفى أن للمغرب دورا محوريا ومهما في مكافحة الإرهاب وجهوده داخل مجلس الأمن وخارجه التي بذلها من أجل هذا المسعى شاهدة على مقاربة المملكة على ذهابها بعيدا في طريق مكافحة الأيديولوجيات المتطرفة من خلال تعزيز ونشر قيم الإسلام المتسامح، وفي سعي المغرب إلى تعميم هذه القيم جاء انفتاحه على القارة الأفريقية رؤية وبعدا استراتيجيا.
هذه الرؤية، تجسّدت بعد الرحلة الأفريقية الأولى، في رحلة ثانية سيقوم بها العاهل المغربي يوم الخميس المقبل إلى مالي لحضور حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد؛ وهو ما يعكس التوجه الأساسي للمملكة بدعم الانتقال الديمقراطي بعد انتخابات رئاسية حرة وشفافة في كل أنحاء هذا البلد الأفريقي بعد الأزمة السياسية القاسية التي مرّ بها وما نتج عنها من كوارث إنسانية ومادية.
تحقيق الاستقرار
خطوة الدبلوماسية الملكية المغربية أشادت بها مجموعة التفكير الأميركية (غايتستون إنستيتيوت)، المتخصصة في القضايا الاستراتيجية والدفاع، حيث وصفتها بأنها مبادرة يغلب عليها الطابع الإنساني في إطار من الفاعلية والتضامن الهدف منه الحرص الأكيد على تحقيق الاستقرار الإقليمي والحفاظ عليه كطموح يخدم دول المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لتجفيف منابع المنظمات الإرهابية بالشكل المنهجي والفعال. وأضافت مجموعة التفكير أن الاهتمام الذي يوليه العاهل المغربي للعلاقات الأفرو-مغربية يمثل "تعبيرا عن رؤية ملكية تدعو إلى إقامة تعاون يساهم في تعزيز الاستقرار، ويضمن الرخاء والازدهار لسكان المنطقة".
|
هذا التقدير الدولي جاء معززا بتقرير ثان صدر بالعاصمة الأميركية، واشنطن، عن مؤسسة "ميريديان إنترناشيونال سنتر" المهتمة بالدبلوماسية العمومية. وأكد التقرير على أن الجهود الإنسانية التي يقوم بها العاهل المغربي تتماشى مع "دور الوساطة البناء والمسؤول الذي يضطلع به المغرب من أجل خدمة قضايا السلام والاستقرار وحل النزاعات". وهذا النهج لم يكن طارئا على تاريخ المغرب بل ظل كما قالت هذه المؤسسة "وفيا بذلك لتقاليده الراسخة القائمة على التسامح والانفتاح".
قضية الصحراء
الزيارة التي سيقوم بها الملك الهدف منها أيضا تدعيم المكاسب الدبلوماسية التي حققها المغرب خلال متابعته لكافة حيثيات ملف مالي في الشهور الماضية، وجهوده الهائلة من أجل مساعدة هذا البلد على تجاوز تداعيات الانقلاب الذي أضرّ باستقراره وأمن مواطنيه والمساهمة في دحر مقاتلي تنظيم القاعدة من شمال البلاد.
لقد كان للدعم المغربي لدولة مالي الأثر الكبير في إعادة الأمن لهذا البلد في إطار دستوري وديمقراطي. وكانت مساهمة المغرب في تدعيم المسار الديمقراطي في مالي ليس على مستوى المقاربة العسكرية فقط بل بدعم التطور السوسيو- اقتصادي وذلك من أجل دعم هذه الديمقراطية الفتية ومساعداتها على تطبيق نموذج الإسلام المعتدل الذي هو أساس التدين في أفريقيا لتحصين المجتمع المالي من الإيديولوجيات المتطرفة.
وكانت المملكة، أول المبادرين في عز الأزمة في مالي إلى مد يد المساعدة إلى هذا البلد الأفريقي من خلال إرسال مساعدات إنسانية إلى النيجر لفائدة اللاجئين الماليين الفارين من المعارك التي اندلعت في بلدهم. وكان المغرب، في إطار الصراع ذاته، قد أرسل 50 طنا من المواد الغذائية والصيدلية لفائدة النازحين في الداخل، ضحايا الأعمال العدوانية، وذلك بهدف تخفيف العبء الصحي والإنساني الذي تعانيه مالي بسبب الأزمة. كما التزمت المملكة، من جهة أخرى، بالمساهمة بخمسة ملايين دولار لتمويل بعثة الدعم الدولية بمالي تحت قيادة أفريقية.
والزيارة الملكية المغربية لهذا البلد الأفريقي تأتي في إطار دبلوماسية مستمرة تعتمد على الدعم المادي واللوجيستي الموجه للتنمية لإعادة بناء مقومات الدولة في مالي. ويعتبر المستشفى الميداني بباماكو لبنة مهمة في تعزيز الخدمات الصحية الموجهة لفائدة الماليين وعنوانا للاستثمار المغربي في المجال الاجتماعي الإنساني قبل ما هو اقتصادي وسياسي في هذا البلد الذي أنهكته الحرب.