فليت ستريت يدق أجراس نهاية مركزية عصر الصحافة الورقية

لندن- إعلان آخر لنهاية عصر الصحافة الورقية، دقت أجراسه مغادرة آخر صحافيين لـ“فليت ستريت”، مركز الصحافة التاريخي في المملكة المتحدة، الذي ضم على مدار عقود مكاتب أكبر الصحف البريطانية، كانت آخرها جريدة “صنداي بوست”، التي أغلقت مكتبها الجمعة الماضي.
ينظر كل من غافين شيريف وداريل سميث، إلى المكان بنوع من الأسى، ويقول سميث إن موت الصحافة الورقية أُعلن على ألسنة المرشدين السياحيين في لندن قبل وصوله إلى شارع فليت، بحسب ما نقلت بي بي سي. ويضيف “كنت أقف بجانب النافذة منذ عدة سنوات، حين توقفت إحدى الحافلات السياحية. وسمعت المرشد السياحي يقول للركاب إنه لم يعد أي صحافي يعمل في شارع فليت. فأخرجت رأسي من النافذة وصرخت “ما زلنا هنا”.
لا تقتصر أهمية فليت ستريت على كونه تجمعا لمكاتب الصحف الكبرى في المملكة المتحدة، لكنه أصبح رمزا تاريخيا امتد تأثيره إلى القرارات السياسية بشكل واضح، فقد وضع فليت ستريت جدول أعمال الخروج من الاتحاد الأوروبي وهو يعيش اليوم في مأزق النتيجة، ومع أن التلفزيون يملك وصولا أوسع إلى الأخبار إذ “ثُلثا الناس في بريطانيا يحصلون على الأخبار من شبكة بي بي سي على الأقل مرة في الأسبوع”.
فليت ستريت بدأ يفقد سطوته منذ عام 1986 حين قرر روبرت ميردوخ نقل الجرائد التي يملكها إلى مقر واحد شرق لندن
إلا أن الصحف رغم وصولها إلى أقل من هذه النسبة من الناس فإن المواضيع التي تختارها والآراء التي تُعبر عنها تُنتج لها أصداء، الأمر الذي يدعمه ديفيد ديكون، أستاذ وسائل الاتصال والإعلام، حين اعتبر أن الصحف تمتلك المزيد من النفوذ في إخبار الناس عن طريقة التفكير وكيفية اتخاذ القرار.
ونُشرت أول جريدة يومية بريطانية، واسمها “دايلي كورانت”، في شارع فليت في 11 مارس عام 1702. وعُرف الشارع الذي أطلق عليه البعض اسم “شارع الفضائح”، بوجود الكثير من الحانات، وامتلأ بالصحافيين الذين يعملون أو يبحثون عن قصص. وعمل سميث، وعمره 43 عاما، كاتب تحقيقات في جريدة “صنداي بوست”، وكان مقر عمله في شارع فلييت على مدار 25 عاما. ويشير إلى أن عنوان الجريدة هو نفسه عنوان شخصية خيالية لحلاق يُدعى سويني تود، كان يذبح زبائنه.
يعود سميث بالذاكرة إلى تفاصيل تحمل الكثير من المعاني بالنسبة إلى الصحافيين الذين عملوا في فيلت ستريت، ويقول إنه عندما أراد التحدث إلى زميل في حانة “إل فينو”، التي كانت ترفض تقديم الخمور للنساء على مدار سنوات عدة، لم يُسمح له بالدخول حتى ارتدى معطفا بمقاس لا يناسبه.
من جهته عمل غافين شيريف، البالغ من العمر 54 عاما، في شارع فليت على مدار 32 عاما، وترقى ليصبح كبير محرري جريدة “بوستس لندن”. ويقول إنه في أول يوم عمل، دخل غرفة أخبار مليئة بالدخان، على أصوات النقر على الآلة الكاتبة. وأضاف “لم تكن الهواتف تعمل جيدا، وكنت أدهش إذا اتصلت الخطوط من أول محاولة للاتصال بشخص”.
ويتحدث شيريف عن ذكرياته في أوج مجد الشارع “كنت أرى الشاحنات المحملة بلفائف الورق الضخمة وهي تحاول الدخول إلى الشوارع الجانبية لتوصيل شحناتها إلى المطابع. وامتلأت الحانات بالصحافيين وأصحاب المطابع. أما الآن، فامتلأ الشارع بمحال السندوتشات. كان يصعب مجرد التفكير في هذا الأمر منذ 30 عاما”.
في عام 1988، نُقلت كل الصحف الوطنية من شارع فليت إلى منطقة دوكلاندز، واعتمدت على طرق الطباعة الحديثة بالكمبيوتر، بدلا من الألواح المعدنية الساخنة
جدير بالذكر أن فيلت ستريت بدأ يفقد سطوته منذ عام 1986 حين قرر روبرت ميردوخ نقل الجرائد التي يملكها وهي “ذا صن”، و“أخبار العالم” التي أُغلقت حاليا، و“تايمز”، و“صنداي تايمز”، إلى مقر واحد عملاق في شرق لندن. وأدى هذا الأمر إلى خلاف شرس على مدار عام، تحول إلى العنف في بعض الأحيان، وانتهى بهزيمة الاتحادات المهنية.
وفي عام 1988، نُقلت كل الصحف الوطنية من شارع فليت إلى منطقة دوكلاندز، واعتمدت على طرق الطباعة الحديثة بالكمبيوتر، بدلا من الألواح المعدنية الساخنة، وأصوات الآلات الكاتبة. وتدريجيا، استُخدمت المباني التي خلفتها المؤسسات الصحافية العريقة في استخدامات أخرى، بعضها أصبح محال تجارية أو مطاعم. والآن، ينتهي جزء آخر من قصة شارع فليت، ووصل هذا العهد الشهير من التاريخ البريطاني إلى نهايته.