كيف تحول بلدا مفصليا إلى بلد فاشل

دمشق- يستعرض إيميل حكيم تعقيدات المجتمع السوري وانهيار دولة قوية في الشرق الأوسط، من خلال استعراض متاهات النظام وبنيته في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وابنه الرئيس بشار الأسد الذي استلم السلطة بما يشبه الوراثة، ويسلط ضوءا على انطلاق الانتفاضة وعسكرتها بسبب الحل الحربي الذي انتهجه الأسد الابن، وتحولها إلى حرب عاصفة، تتداخل وتتضارب فيها الأجندات الدولية ومصالح اللاعبين الإقليميين، ولتعيش سوريا الفترة الأكثر صعوبة ومأساوية في تاريخها الحديث.
لا يقدّم حكيم، الباحث والخبير في الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا، في كتابه الصادر مؤخرا باللغة الإنكليزية والذي يحمل عنوان "انتفاضة سوريا وتفتيت الشرق الأوسط"، تفاصيل عن الأحداث وإنما تحليلات تعتمد على حجج بحثية ومصادر أولية وعمل ميداني ومقابلات مع جهات فاعلة من سوريا والمنطقة، قد تجعل كتابه هذا مرجعاً للتحليل والدراسات المستقبلية.
|
يحاول الكاتب تحليل الانتفاضة السورية منذ بدايتها السلمية، التي بدأت بمطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتحولت نتيجة عنف النظام وحله الأمني ـ العسكري إلى مسلحة عنيفة. ويشرح كيف انزلقت سوريا في حرب أهلية محصلتها صفر، وانهارت الدولة من لاعب إقليمي إلى دولة شبه فاشلة، وأدّى هذا إلى اضطراب التوازن الإقليمي الذي كانت سوريا لاعبا مهماً فيه. ويستعرض حالة جماعات المعارضة السورية المتشرذمة، والمصالح الخارجية المتضاربة، والحسابات الغامضة لنظام الأسد خلال أربعة عقود من شمولية واستبداد الحكم والسلطة.
في مقدمة الكتاب يشير إلى أن الانتفاضة وضعت دون شك حدا لاستقرار شكلي خلال أربعين سنة من حكم ديكتاتوري استبدادي أُسري، وأطلقت العنان للقوى الأخرى للبروز، ويقول حكيم "بغض النظر عن مصير آل الأسد، فإن سوريا كما عرفها العالم في العقود الأربعة الأخيرة لم تعد موجودة، والانتفاضة التي بدأت في آذار- مارس 2011 ولا تزال نتائجها غير واضحة وضعت نهاية لاستقرار دام أكثر من أربعين عاما تحت حكم استبدادي".
ويقول أيضا في مكان آخر "إن النظام الحاكم الأقلّوي أبقى التنوع الطائفي والسياسي والإثني في سوريا تحت السيطرة عبر القمع والمحسوبيات والأيديولوجية البعثية العلمانية المؤيدة للقومية العربية"، ويجد أنه من الاستحالة أن يتمكن آل الأسد من احتواء هذا المد الشعبي أو تغيير اتجاهه.
ويرى أنه على الأرجح لا يمكن لسوريا أن تستعيد استقرارها ووحدتها الوطنية على المدى المتوسط، خاصة وأن العنف قاد إلى عدد كبير من الضحايا فضلاً عن أزمة اللاجئين والخسائر الاقتصادية الهائلة.