ليبيا بعد خمس سنوات من الثورة: بلد الاستبداد صار أرض الجهاد

طرابلس- في ساحة الشهداء في وسط طرابلس، يرفرف علم الثورة الليبي بألوانه الحمراء والسوداء والخضراء احتفالا بذكرى انطلاق الثورة في 17 فبراير 2011.
ويقول المحلل لودوفيكو كارلينو، من مركز آي إتش أس للتحليل الأمني والاقتصادي، إن “تنظيم الدولة الإسلامية ينظر إلى ليبيا على أنها أفضل بلد لإقامة قاعدة إقليمية لخلافته”.
ويضيف أن “توفّر مقدرات نفطية ضخمة ووجود طرق تهريب منظمة ومربحة نحو دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، والرقابة الضعيفة على الحدود، تجعل من ليبيا محطة جذابة لتنظيم الدولة الإسلامية، كما العراق وسوريا، وربما أكثر حتى من ذلك”.
ويضيف خبراء آخرون في تعقليهم على تداعيات الوضع في ليبيا قائلين إن “تغيير النظام باسم الديمقراطية كان وهما”، لا سيما حين تكشف التقارير الواردة من وكالات الاستخبارات أن الإقليم الجنوبي في ليبيا صار ملاذا للمسلحين الإسلاميين الذين تمّ طردهم من مالي.
"أرض جهاد"
يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية منذ يونيو الماضي على مدينة سرت المطلة على البحر المتوسط في مقابل السواحل الأوروبية والتي تضم ميناء ومطارا وقاعدة عسكرية.
لكنّ جذور الخطر الجهادي في ليبيا لا تنحصر ببروز تنظيم الدولة الإسلامية، في أوائل العام 2014، في بلد غرق في الفوضى الأمنية، بعدما لم تتمكن السلطات التي ورثت الحكم عن القذافي من نزع سلاح الجماعات التي قاتلت النظام السابق.
|
ويتابع أن “الفراغ السياسي والأمني في أعقاب سقوط نظام معمر القذافي إلى جانب وجود كميات كبيرة من الأسلحة، والرقابة غير الفعالة على الحدود، جعلت من ليبيا بلد العبور الرئيسي للمقاتلين في شمال أفريقيا نحو سوريا والعراق”.
ودفع تصاعد الخطر الجهادي الدول الكبرى إلى التفكير في احتمال التحرك عسكريا في ليبيا، نظرا لموقع البلد الجغرافي الحساس وثروته النفطية الضخمة (أكبر احتياطات النفط في أفريقيا وتبلغ حوالي 48 مليار دولار).
في الوقت ذاته، يضغط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتشكيل حكومة وفاق وطني توحد السلطتين المتنازعتين على الحكم منذ أكثر من عام ونصف، قبل اتخاذ قرار حول طبيعة التدخل المحتمل في ليبيا.
أخطاء بعد أخطاء
يعترف المجتمع الدولي بالسلطات والبرلمان المستقرّين في طبرق (شرق)، لكن يوجد في طرابلس برلمان مواز، وهو المؤتمر الوطني العام، غير المعترف به ويسيطر عليه تحالف جماعات مسلحة تحت مسمّى فجر ليبيا.
وبسبب الاقتتال بين السلطتين وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق نفطية، انخفضت صادرات النفط إلى أكثر من النصف، وتوقفت المشاريع الاستثمارية، وأغلقت عشرات الفنادق والمطاعم أبوابها، وتراجع مستوى الخدمات وبينها الكهرباء، وتوقفت معظم المؤسسات الحكومية عن تأدية عملها في ظل غياب سلطة مركزية واضحة.
وسيكون على الحكومة الجديدة، في حال تمكّنها من الحكم، مواجهة تحديات أخرى غير الخطر الجهادي، تتمثل في الانهيار الاقتصادي والارتفاع القياسي في الأسعار، فيما تحتل ليبيا مرتبة متقدمة على سلم الدول الأكثر فسادا.
كما أن الخروج من ليبيا والدخول إليها أصبحا أكثر صعوبة من أيّ وقت مضى، بعدما توقفت خطوط الطيران الأجنبية عن الهبوط في المطارات الليبية، فيما تقلع الشركات الليبية بطائراتها نحو عدد محدود من الدول المجاورة.
وتقول كريمة الغويل، التي تعمل موظفة في مصرف في طرابلس، إن “السنوات الخمس الماضية كانت عبارة عن سلسلة من أخطاء بعد أخطاء”، مضيفة “حياتنا اليومية تصبح أكثر صعوبة يوما بعد يوم”.
وقبيل أيام من حلول الذكرى الخامسة لسقوط نظام القذافي، أعلن عن تشكيل حكومة وفاق وطني، لكن هذه الخطوة لم تجلب معها الآمال بعودة الاستقرار إلى البلاد المفككة؛ وقد بدا ذلك واضحا في وجوه الليبيين الذين بدوا عاجزين عن الشعور بالفرح في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية وتفشي الإرهاب وانقسام الأرضية السياسية.
وتقول فلورانس (50 عاما)، وهي فرنسية متزوجة من ليبي “الحياة أصبحت أكثر غلاء، ولم نعد نستطيع أن نسحب أموالا من المصارف”، في إشارة إلى عدم توفر السيولة في المصارف طوال أيام الشهر.
وتتابع “لكن خوفي الأكبر هو أن يصل داعش إلى طرابلس”، وهو خوف مختلف الليبيين وأيضا خوف دول الجوار التي تعاني من تداعيات “الجهاد” والفوضى في ليبيا؛ وتخشى من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية مثلما تخشى من تداعيات التدخل العسكري الخارجي الذي تدق طبوله.
|