محاولة إرضاء الناس سلوك نبيل يقابل بسوء الفهم

يقر علماء الاجتماع بأن السلوك النبيل قد يكون أمراً صحياً، لكن ليس في كل الأوقات والمواقف، فالمصادقة على طلب البعض بالإيجاب قد تكون لها تبعاتها السلبية على نواح أخرى في الحياة. حيث أن التطوع بمساعدة مجموعة من الأصدقاء أو الجيران يمكن أن يقتطع من وقت ينبغي للمرء أن يقضيه في المنزل مع أفراد أسرته، كذلك يسري الأمر على اتخاذ الحذر والموافقة بـنعم على آراء الآخرين في شتى المواقف في الوقت الذي تتضارب هذه الموافقة مع رغبة داخلية بالرفض.
وترى إيمي مورين، كاتبة ومعالجة نفسية أميركية وخبيرة دولية وباحثة في مجال القوة العقلية، ترى بأن التعوّد على قول نعم خاصة في مرحلة مبكرة من العمر، يعيق من إمكانية اتخاذ القرارات.
وأشارت إلى أن الأفراد الذين يعتادون على قول ما يريد الآخرون سماعه منهم، يجدون صعوبة جمة في تشكيل آرائهم وقراراتهم الشخصية من دون أن يقعوا في فخ التبعية للآخر، ابتداءً باختيار لون الملابس إلى تكوين وجهة نظر وقرارات مصيرية قد تتعلق بمستقبل حياتهم العملية والعاطفية.
من جانب آخر، فإن الأفراد الذين لا يترددون في الاستجابة لمساعدة الناس ويستنزفون طاقتهم الجسدية والنفسية على حساب أولويات مهمة في الحياة، نادراً ما يطلبون المساعدة من الآخرين.
الذين يبذلون جلّ طاقاتهم في إرضاء الغير وفعل ما يريدونه، يواجهون صعوبة في العيش وفق قيمهم ومبادئهم
ويعتقد متخصصون بأن التردد في طلب المساعدة حتى في حدودها الضيقة يضيّع العديد من الفرص على صاحبها بسبب اضطراره إلى فعل دقائق الأمور بنفسه مقتطعاً وقتاً وجهداً كان حرياً به استخدامه في القيام بأعمال أهم.
ووجد بأن الذين يبذلون جلّ طاقاتهم في إرضاء الغير وفعل ما يريدونه، يواجهون صعوبة في العيش وفق قيمهم ومبادئهم. ولأن ساعات اليوم محدودة، فمن الأفضل استثمارها في أمور أكثر أهمية تراعي متطلبات الحياة الشخصية والعائلية مثل الجلوس مع الصغار، بدلاً عن إهدارها تلبية لطلب أصدقاء أو معارف يأتون، بالتأكيد، في مراتب ثانوية.
وتعتقد مورين بأن عدم القدرة على قول لا لصديق لحوح اعتاد الاقتراض منك أو حماة مزعجة اعتادت التدخل في شؤون أسرتك وكل شخص يتسبب وجوده وأفعاله في التعدي على وقتك وحريتك الشخصية، يؤدي في المحصلة إلى تنامي مشاعر الحنق والاستياء تجاهه. لذلك ينصح علماء النفس الأشخاص الواقعين تحت هيمنة ضعفهم الاجتماعي بضرورة إبداء استيائهم ورفضهم المقرون بإظهار بعض الغضب تجاه هؤلاء بين الحين والآخر. وهذا من وجهة نظرهم أمر رادع للآخرين أو على الأقل يشكل عائقاً أمامهم لمعاودة مطالبهم أو محاولة فرض آرائهم ومعتقداتهم.
والأهم من ذلك، ينصح متخصصون الأشخاص الواقعين في فخ التبعية للآخر بإظهار مشاعر سخطهم ورفضهم في وجه الآخرين من دون الحاجة إلى الاستئذان منهم أو من غيرهم، وهذا الأمر مهم لتعزيز الصحة النفسية.
التطوع بمساعدة مجموعة من الأصدقاء أو الجيران يمكن أن يقتطع من وقت ينبغي للمرء أن يقضيه في المنزل مع أفراد أسرته
ويؤكد الدكتور جيرمي نيكلسون، اختصاصي في علم النفس الاجتماعي وباحث في مجال الخدمة الاجتماعية في ولاية بوسطن الأميركية، بأن الصعوبات التي يواجهها البعض في قول لا ورفض الاستجابة لطلبات الآخرين المستمرة، مردها إلى مجموعة من مشاعر الإيثار والتعاطف مع الآخرين باعتبار أن الإنسان مخلوق اجتماعي تعتمد حياته إلى حد كبير، على ميل طبيعي للاتصال والاندماج بالآخرين وهو عندما يرفض الآخر فإنه ربما يتعاطف معه لا إرادياً متخيلاً مشاعر الإحباط وخيبة الأمل، بعد أن يكون هو بنفسه قد تعرض لموقف مشابه، لذلك يصعب عليه الاستمرار بالرفض ويفضّل الانصياع لهؤلاء وتحييد مصلحته الذاتية، عن أن يكون حازماً ويتحّمل وطأة الشعور بالاستياء جراء تصرفه.