مصطفى العقاد.. نشر صورة مضيئة للإسلام في الغرب واغتاله التكفيريون

العرب - ثماني سنوات مرت على مصرع المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد في أغلب إنتاجه السينمائي، وقد كان موفقا في انتمائه الفني منذ لحظة العشق الأولى التي ولدت خياراته الجمالية ودفعت به إلى الرحيل نحو "هوليوود"، حاملا من مدينته "حلب" إلى بلاد "العم سام"، حلم ابن الفقراء، وزاده لم يكن إلا مصحفا كريما ومئتي دولار هما حصيلة الأب الكادح.
في الحادي عشر من نوفمبر- تشرين الثاني 2005 رحل مصطفى العقاد وفي ذهنه الكثير من المشروعات والأحلام، غير أن يد الإرهاب الأسود والهمجية العمياء لم يمهلاه فقضى نحبه شهيدا، بعد أن ظلّ خير شاهد على تخلفنا وعلى خيباتنا وانكساراتنا وهزائمنا، وهو الذي قدّم للغرب الصورة المشرقة عن العرب وعن الإسلام، فكان خير مدافع بفنه وأعماله السينمائية العظيمة عن هويتنا وعروبتنا وإسلامنا.
في "حلب" الشهباء وُلِدَ العقاد عام 1935، لأسرة متواضعة الحال وفقيرة.
رسالة الفنان
|
بدأت شهرة مصطفى العقاد العالمية عام 1976 لما أخرج فيلم "الرسالة"، وهو أول فيلم عربي – عالمي عن رسالة الإسلام، يخاطب ذهنية الإنسان الغربي، ويَعرض -دون غلو أو تعصب – السيرة النبوية لرسولنا الكريم (ص)، محاولا بيان كيف أتى الإسلام إلى هذا العالم بروح سمحة وفكر علمي عميق.
وقد صدر فيلم "الرسالة" في ذات الوقت بنسختيه، العربية والأنكليزية، وأدى دور حمزة بن عبد المطلب، في النسخة العربية، الممثل المصري الراحل عبدالله غيث. وأدت الممثلة السورية القديرة منى واصف، دور هند زوجة أبي سفيان بن حرب. بينما لعب الممثل العالمي الراحل أنتوني كوين دور حمزة، في النسخة الأنكليزية، فيما أدت الممثلة العالمية أيرين باباس دور هند.
شهيد الكاميرا
يرى النقاد عربٌ وغربيون، أن العقاد "شدد على إعادة الترابط مع الخيط الحضاري، فأظهر فيلم عمر المختار بالصورة التي كانت عليه، عسى أن يحقق هاجسه الأيديولوجي في راهنية استمرار التردّي على واقع المدائن العربية والأوسطية".
|
وفي الفيلمين "الرسالة" و"عمر المختار" قدّم العقاد صورة مشرقة وصل بها إلى العالمية بجدارة سبق بها غيره، وحفر بها اسمه في عالم الإخراج والإبداع .
والحقيقة أن الفيلمين كانا بمثابة معركة حضارية مليئة بأحاسيس الاعتداد بالنفس وأصالتها، فقد جمع الرجل فيهما بين الأمانة والموضوعية والجمالية المشهديّة في رقة وحميميّة، إضافة إلى العمق التاريخي.
وقد أجمع معشر السينمائيين والجمهور العربي والغربي على حدّ سواء، على أن الفيلمين لوحتان سينمائيتان تحملان رؤى عميقة ونافذة، ومعالجة راقية قدم خلالهما "شهيد الكاميرا" صورة مشرقة للحضارة الإسلامية ونضالات الشعوب، وحفر بهما اسمه في عالم الإخراج والإبداع بشكل أقرب إلى الاستثنائية، أوصلته إلى العالمية بجدارة. والحالة اليوم غدت أكثر إيلاما وفظاعة؛ فحادث مقتله شكل مفارقة مؤلمة وصادمة، فكان بمثابة الفاجعة على الجماهير العربية التي أحبته بما تمتع به من رؤية سينمائية مستمدة من دينه وتراثه.
تمّ اغتياله وابنته في بهو فندق "غراند حياة" في العاصمة الأردنية عمان في الحادي عشر من نوفمبر 2005.
|
ولم يخف العقاد يوما أن ما حققه من نجاحات على الصعيد العالمي جاء بعد رحلة مضنية، شاقة، يقول: "كان طريقي شاقا بمعنى الكلمة فلو لم أكن عربيا لكان الأمر أسهل بكثير فكون اسمي مصطفى هذا وحده يشكل صعوبة كبيرة كان بإمكاني أن أغيره لأمارس عملي بسهولة لكن كيف أغير اسمي الذي أورثني إياه أبي؟، فلقد كنت ولا أزال متشبثا به، وتابعت عملي بإصرار وفرضت على الجميع في "هوليوود" وخارجها احترام اسمي فلقد كنت أحترم نفسي لذلك فرضت على الآخرين احترامي؛ إنني أشمئز من بعض العرب الذين يأتون إلى أميركا ويغيرون أسماءهم العربية ويتنكرون للغتهم الأم فقط لتسهيل أعمالهم’’.
عمل العقاد في نتاجاته السينمائية المتتالية على تطوير "التكنيك الأدائي" له باستخدام المخزون المعرفي والفطري والتربوي للتاريخ فيأخذنا إلى صحراء ليبيا إلى أسد عجوز يزأر بقيم رساليّة تمتد جذورها إلى الرسالة الأم، متناوبات ثنائيات الهجوم/ الدفاع، أي الكر والفر، والاحتلال /المقاومة، والاستلاب/ الرفض، وخلق البقاء من العدم؛ وقد حاول العقاد أن ينخل ما تبقى من طحين الحضارة العربية والإسلامية.
الإرهاب الأسود
ورغم أن عزيمة الرجل المغدور به لم تفتر يوما، إلا أنه لم يتمكن من إنجاز مشروعه هذا لأن أيّ أحد من الحكام ورؤوس الأموال العرب لم يلتفت إليه رغم صراخه اليومي في برية العرب!
كذلك تحدث العقاد في أكثر من مناسبة عن مشاريعه السينمائية التي يسعى لإنجازها، من تلك المشاريع، فيلمٌ عن "صبيحة الأندلسية"، المرأة التي حكمت الأندلس. وهناك أيضا فيلم آخر يروي قصة ملك من ملوك أنكلترا "جون الثالث" الذي أرسل في عام 1213 وفدا إلى الخليفة في الأندلس يطلب منه ثلاثة أشياء:
"أولها: أن تكون أنكلترا تحت حماية الخليفة، وثانيها: أن تصبح أنكلترا بلدا مسلما، وثالثها: أن تدفع أنكلترا جزية إلى الخليفة". والطريف في القصة أن الوفد عندما وصل إلى قرطبة كان منبهرا بالحضارة هناك آنذاك.. والمفارقة الأطرف أن الوفد طرد من قبل الخليفة، باعتقاد أن أيّ ملك يحكم شعبه ويسلمه إلى قوى أخرى ليس أهلا لحمايته!"
ورغم الصعوبات والعراقيل التي واجهته فقد تمكن من تجاوز الكثير منها، فكان أن شارك كمنتجٍ منفذٍ في سلسلة أفلام "هالاوين" أو "أعياد القديسين"، وقد وصل عدد الأفلام المنتجة من هذه السلسلة -خلال ربع قرن- إلى ثمانية أفلام، وكان هو المنتج المنفذ الوحيد الذي شارك في تحقيق هذه الأفلام، التي بدأ إنتاجها عام 1978 واستمر حتى عام 2002.