مقتدى الصدر.. شخصية زئبقية لا تثبت على رأي

يوصف بأنه شخصية زئبقية وقلقة لايثبت على رأي، ينتقل بمواقفه من طرف إلى آخر، وليس له استراتيجية ثابتة وواضحة. إنه مقتدى الصدر الإبن الأصغر لرجل الدين الراحل محمد صادق الصدر بعد مصطفى ومؤمل، ظهر في فترة هي من أشد فترات الإثارة في تاريخ العراق بعد سقوط النظام العراقي بفعل الاحتلال الأميركي عام 2003، وتطور تأثيره وحضوره في المشهد السياسي ماشكل مفاجأة للأحزاب الدينية العراقية، ومن ثم منافسا لها.
ورغم أن مقتدى الصدر زعيم لشريحة كبيرة في المجتمع العراقي، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة الاجتهاد التي تخول له منافسة المرجعيات الدينية والتصدي لها، وكان الأقرب إلى رجل الدين كاظم الحائري الموجود في إيران واختلف معه فيما بعد، وسعى إلى تشكيل مسار مستقل أطلق عليه الخط الصدري.
ويأخذ الصدر على المرجع الديني السيد علي السيستاني أن موقفه من معركة جيش المهدي مع القوات الأميركية بالنجف عام 2004 لم يكن بمستوى المسؤولية الملقاة على المرجعية في انحيازها للمقاومين للاحتلال، لاسيما وأن قواته تجاوزت الخط الأحمر الذي رسمه السيستاني في تدنيسها للصحن الحيدري في النجف.
إرث عائلة الصدر
ويعتمد الصدر في تجسيد حضوره في المشهد السياسي على الإرث التاريخي لوالده وعائلته، غير أن إيران كانت إحدى العوامل الخارجية التي ساعدت ومدت يد العون له، خصوصا وأن الصدر حظي برعاية ومباركة من مرشد إيران علي خامنئي والرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد.
ويكشف مستشار الأمن الوطني العراقي السابق موفق الربيعي النقاب عن إشرافه على الاتفاق الذي أبرم مع الصدر وحكومة آياد علاوي لإنهاء القتال بين جيش المهدي والقوات الأميركية، غير أن الربيعي نوّه إلى أن علاوي رفض الإعلان عن تفاصيل الإتفاق، موضحا أن القوات الأميركية اعتبرت أن مقتدى الصدر خار ج عن القانون، فيما أصدرت السلطات العراقية أمرا بالقبض عليه.
غير أن هذه الإجراءات لم تجد طريقها للتنفيذ، ما عزز موقف مقتدى الصدر في الشارع الشيعي على حساب الأحزاب الدينية التي لم تدعم موقفه في معركته مع قوات الاحتلال، كما وضع المرجعية الدينية بالنجف في موقف محرج أمام جمهورها الذي إنقسم في حينها في التعاطي مع أزمة الصدر مع الأميركان.
اعترف مقتدى الصدر بمسؤولية أشخاص محسوبين على جيش المهدي بالقيام بهذه الأعمال لاسيما حافظ إسماعيل "أبو درع" وقد أضطر الصدر إلى فصله ليلتحق بعصائب أهل الحق فيما بعد.
الاتهام بقتل الخوئي
وواجه الصدر أول انتكاسة له بعد اتهامه بمقتل رجل الدين عبدالمجيد الخوئي في النجف، ما أفقده الكثير من سمعته في الوسط الشيعي. ويرى خبير في شؤون الحوزة في النجف أن مقتل والد مقتدى، محمد صادق الصدر عام 1999، كان إيذانا ببروز (مقتدى) لخلافة والده والسير على نهجه، لاسيما بعد مقتل شقيقيه مصطفى ومؤمل مع والده وهوما فتح الباب أمامه ليكمل المسيرة.
ويشير إلى أن مدير الأمن العام في ذلك التاريخ كان طاهر جليل الحبوش، عندما سمع بالحادث هرع إلى النجف وأقال مدير أمن النجف اللواء سامي الدجيلي في محاولة لتهدئة الشارع الشيعي. وكشف أن السلطات العراقية كانت قد عرضت على السيد محمد صادق الصدر توفير الحماية له ولعائلته، إلا أنه رفض العرض وقال لهم إن الله يرعاني.
وكانت السلطات العراقية عرضت على شاشة التلفزيون الحكومي المدعو حسن الكوفي الذي اعترف بعملية القتل بدافع من إيران، ورغم التحوطات التي إتخذتها السلطات العراقية بعد مقتل الصدر الأب غير أن مظاهرات ومواجهات مسلحة اندلعت في مدينة الصدر والنجف والبصرة إلى حد خروج أجزاء من محافظة البصرة عن السيطرة الحكومية بفعل تدفق مجاميع مسلحة من إيران باتجاه البصرة حسب الرواية الحكومية.
ويلاحظ الخبير في شؤون الحوزة في النجف حامد عبدالحسين، أن الرئيس الراحل صدام حسين كان يشجع ويدعم مرجعية الراحل محمد صادق الصدر بإعتبارها مرجعية عربية لوقف تسلل شخصيات من أصول غير عربية إلى حوزة النجف. وما شجع صدام على دعم موقف الصدر الأب هو إحياء الأخير صلاة الجمعة واجتهاده في إقامتها بشكل متواصل، مخالفا في ذلك موقف المراجع الشيعية الذين أفتوا بعدم جواز قيام صلاة الجمعة بإنتظار الإمام المهدي المنتظر.
تقاطع بين عائلتي الصدر والحكيم
والصدر يتردد على قم بين فترة وأخرى، أحرج القيادة الإيرانية بنشره تفاصيل لقائه مع قاسم سليماني مسؤول الملف العراقي الذي أوضح فيه موقف إيران الرافض لسحب الثقة عن المالكي وتوجيه النقد لمقتدى الصدر لتحالفه مع الأكراد والقائمة العراقية، ما كشف الموقف الإيراني غير المعلن في تعاطيها مع الملف العراقي.
وعلاقة مقتدى الصدر برئيس الحكومة العراقية سيئة ومتشنجة وتفتقد إلى الثقة المتبادلة، وغالبا ما يستعين المالكي بعصائب أهل الحق التي انشقت عن جيش المهدي لردع الذراع العسكري للصدر، فيما تتقاطع عائلتي الصدر والحكيم بسبب الخلافات التاريخية بينهما، ما انعكست سلبا على علاقة مقتدى الصدر بعمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى.
وواجه مقتدى الصدر محاولات عديدة للنيل من تياره تارة بملاحقة رموزه واعتقالهم والنيل من مواقفه وتوجهاته تارة أخرى. وشجع هذا الاستهداف للتيار الصدري إلى حدوث انشقاقات وانسحابات من تياره أضعفته أمام خصومه لاسيما أمام رئيس الوزراء نوري المالكي ومرجعيات النجف والأحزاب الدينية، وما انشقاق عصائب أهل الحق إلا الدليل على تصدع التيار ما دفع مقتدى الصدر إلى تشكيل لواء اليوم الموعود كرد على تشكيل العصائب التي حمّلها مسؤولية دماء العراقيين وفي عمليات التهجير والعنف الطائفي وتلقي الدعم والمساندة من المالكي في محاولة لإضعاف وتفتيت التيار الصدري.
ورغم محاولات المالكي والأحزاب الدينية إضعاف وكسر شوكة التيار الصدري إلا أن هذا التيار حصد نحو (40) مقعدا في البرلمان وأصبح قوة تصويتية وبيضة القبان في ترجيح كفة أي كتلة برلمانية، ناهيك عن دور وزراء التيار الأربع في مجلس الوزراء الذي ضاق المالكي ذرعا بهم لإعتراضاتهم على أدائه وعلى الفساد المستشري في حكومته.
|
ويقف مقتدى الصدر في ظل الاستقطاب السياسي والطائفي بين أركان العملية السياسية، وحيدا ومترددا في حسم تحالفاته المستقبلية بعد تجربة السنوات التي حملت رموز تياره إلى الحكومة والبرلمان. وما يقلق الصدر سعي المالكي وحزب الدعوة عبر محاصرته ونزع شرعيته في الوسط الشيعي، في محاولة لإضعافه وإخراجه من المعادلة السياسية التي يرى المالكي أن الصدر بإنفتاحه على قوى سنية وكردية وليبرالية سيأخذ من جرفه ويفتح شهية الآخرين للنيل منه.
وكثيرا ما يتطلع الصدر إلى خارج الحدود بمواقف أحرجت الحكومة العراقية لاسيما المتعلقة بالأحداث في البحرين ومصر واليمن وسوريا، ما فسر على أنها تندرج في إطارإحراج مواقف الحكومة العراقية من هذه الأحداث.
وغالبا ما يلوذ مقتدى الصدر بالصمت ويتوارى عن الأنظار إلى حد التلويح باعتزاله العمل السياسي، كتعبير عن خيبة أمله من تداعيات الأوضاع في العراق وفشل الطبقة السياسية في وقف العنف وتكريس ثروة العراق لسعادة العراقيين عبر وقف هدر المال العام وملاحقة المفسدين.